عدنان بن عبد الله القطان

7 ربيع الآخر 1443 هـ – 12 نوفمبر 2021 م

———————————————————————–

الحمد لله الخلاق العليم؛ نحمده كما ينبغي له أن يحمد، ونشكره فقد تأذن بالزيادة لمن شكر، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ أعطى كل شيء خَلْقَه، وهدى كل مخلوق لما يصلحه، وفضل بعض خلقه على بعض، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله؛ اصطفاه الله تعالى رسولاً للناس أجمعين، واختار له أزواجاً هن خير نساء العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه وأتباعه بإحسان.

أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: لقد اختار الله تبارك وتعالى لرسوله ونبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم زوجاتٍ مطهرات، فضَّلَهن بالمناقب الجليَّة، والأخلاق الزكية، وطهَّرهن من الدَّنس، وسلَّمَهن من الأخلاق البذيئة، وكنَّ بحقٍّ مَدارسَ في التربية والعلم والتزكية، ومَنافذ مُضيئة تطلُّ على الإسلام وتعاليمه وأحكامه وآدابه، واختصَّت كل واحدة منهنَّ بميزة وخصيصة كاملة لا توجد في نساء العالمين، كيف لا وقد زكَّاهن الله في كتابه الكريم وسجَّل لهن هذا الفضل في قرآن يُتلى إلى يوم الدين؟ يقول سبحانه وتعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى، وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ومما يدلُّ على فضلِهنَّ وكرَمِهن وحيازتهن على الفضائل العليَّة، والآداب الزكية – أن الوحي المبارك يتنزَّل في بيوتهن في الليل والنهار، وفي العلانية والإسرار، وليس بعدَ ذلك الفضلِ شرفٌ ومنقبَة، ومنزلة ومَرتَبة؛ يقول الله تعالى: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً) وقد نقَلَت أمهاتُ المؤمنين ما يَدور في البيت النبوي من الهَدْي والسَّمْت إلى الأمة الإسلامية، حيث كنَّ يرَين أعماله ويسمَعْن أقوالَه ويُلاحِظْن تصرفاته ويَروِين للأمة أحاديثه وأقواله وتقريراته

أيها الأخوة والأخوات في الله: لقد بيَّن القرآن الكريم في بعض السور الشريفة، والآيات الكريمة، أن لأمَّهات المؤمنين فضائلَ ومناقبَ شريفة، لا توجد في بقية الرجال، فضلاً عن النساء؛ فمن تلك الفضائل: أنَّهن لهن الأمومة على جميع المؤمنين والمسلمين، معَ ما لهن مِن شرَف الصُّحبة والمعيَّةِ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا مَن رفض وأنكر الأمومة ممن هو على غير سبيل المؤمنين، قال تعالى موضِّحاً ذلك الحُكْم بأتمٍّ وضوح، وأبلَغِ فَصاحة وبيان، وأقوى حجةٍ وبرهان: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً) ومِن الفضائل العليَّة أنَّهن اختَرْن الله ورسولَه والدار الآخرة على زينة الحياة الدنيا ومَتاعها والصبر على الجوع ومَرارة المصيبة والعيش على ما تيَسَّر مِن زادٍ قليل، ومتاع مِن كسوةٍ وبيتٍ مِن سَعف النَّخيل: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً، وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيمًا) ما ظنُّك أيها المسلم بنساءٍ يمرُّ عليهن الهلال والهلالانِ ولا يوقَد في بيوتهنَّ نار؟! بل طَعامهن طعامُه صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث: (ما أشبَع رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أهلَه ثلاثةَ أيام تِباعاً من خبز حِنطة)، أو مِن خبز يابس وتمرٍ رديءٍ وخَلٍّ عتيق.

ومِن فضائلهن رضي الله عنهن أنَّ لهن مِن الأجر والمثوبة ما لِغَيرهن وزيادة، يقول تعالى: (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًاً كَرِيماً) والسبب أنَّهنَّ عايَشْن التنزيل، وصبَرن مع الرسول الكريم في اليسير القليل، ووَقَفْن معه في الظروف الحرجة، والأوقات الصعبة، وتحمَّلن معه أعباء الدعوة؛ مِن أذًى وتعذيب وسخرية وقُمن بنشر الميراث النبوي للذريَّة، وتصَدَّين للتعليم والتوجيه والتربية.

أيها الأخوة والأخوات في الله: أُولى الطيبات الطاهرات من أمهاتنا الكريمات، العاقِلَة الحاذِقة ذاتُ الدين والنسب خديجة بنت خُويلدٍ رضي الله عنها، نشأت على الخلق والأدب، واتَّصفت بالعفّة والشرف، كانت تُدعَى بين نساءِ مكّة بالطاهرة. تزوَّجَها المصطفى صلى الله عليه وسلم فكانت نِعمَ الزوجةُ له، آوَته بنفسِها ومالها ورجَاحةِ عقلها.. نزل عليه الوحيُ فرجَع إليها يرجُف فؤادُه من الخوف، فتلقَّته بقَلبٍ ثابت وقالت له: كلاَّ والله، لا يخزيك الله أبداً.. خديجة أوّلُ خلقِ الله إسلاماً بإجماعِ المسلمين، لم يتقدَّمها رجلٌ ولا امرَأَة، وعظُمَت الشّدائِد عليه صلى الله عليه وسلم فكانت له قلباً حانياً ورأياً ثاقباً، قال عنها صلى الله عليه وسلم: (آمنت بي إذ كَفَر بي النّاس، وصدّقتني إذ كذَّبني الناس، وواسَتني بمالها إذ حرَمني الناس، ورزَقني الله ولدَها إذ حرمني أولادَ النساء). وقد كان جميع أولادِه صلى الله عليه وسلم منها سوَى إبراهيم ابن مارية القبطية، إنها زوجةٌ بارّةٌ، وأمّ حنون، جاء جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم وقال له: إذَا أَتَتْكَ خديجة فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ -أي من اللؤلؤ المجوف- لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ) كانت عظيمةً في فؤادِ النبيّ صلى الله عليه وسلم فلم يتزوَّج امرأةً قبلَها ولم يتزوَّج امرأةً معها إلى أن قضَت نحبَها في عام الحزن، العام العاشر من البعثة، فحزِنَ لفَقدِها حزناً شديداً، وكان صلى الله عليه وسلم إذَا ذكرَها أعلَى شأنَها وأثنى عليها واستغفر لها.

وأما أمنا الكريمة الطاهرة الثانية، فهي عائشة بنتُ أبي بكرٍ الصديقِ رضي الله عنهما، ولدت في بَيتِ الصّدقِ والتّقوَى، أمُّها صحابية، وأختُها أسماء ذاتُ النطاقين صحابيّة وأخوهَا صحابيّ ووالِدُها صِدّيقُ هذه الأمة، وعلاَّمةُ قريشِ ونَسَّابَتُها.

منحَها الله ذكاءً متدفِّقاً وحفظاً ثاقِباً، قال الذهبي رحمه الله عنها: أفقَهُ نساءِ الأمّة على الإطلاق ولا أعلَمُ في أمّة محمد، بل ولا في النّساء مطلَقاً امرأةً أعلَمَ منها)  وكان أكابر الصحابة يسألونها فيما استشكل عليهم، حتى قال بعضهم: (مَا أُشكلَ عَلَيْنَا أَصْحَاب رَسُوْل الْلَّه صلى الله عليه وسلم حَدِيثٌ قَطُّ فَسَأَلْنَا عَائِشَةَ، إلَّا وَجَدْنَا عِنْدَهَا مِنْهُ عِلْماً)

أحبَّها النبي صلى الله عليه وسلم، وما كان ليحبّ إلا طيّباً، لم يتزوَّج بِكراً غيرَها، ولا نزَل الوحيُ في لحافِ امرأةٍ سواها، عَفيفةٌ في نفسها، عابِدةٌ لربِّها، لا تخرُج من دارِها إلاّ ليلاً لئلا يراها الرّجال، محقّقةً قولَ الله: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى)

وقد ابتليت في عرضها بما قاله أهل الإفك، والله يبتلِي من يحِبّ من عباده، وبسبب الكذب والقذف الذي وقع عليها: قالت: فبَكَيتُ حتى لا أَكتحِلَ بنوم، ولا يَرقأَ لي دَمع، حتى ظنَّ أبواي أنّ البكاءَ فالِقٌ كبِدِي.. واشتدَّ بها البلاء، فغارَ الله لها، وأنزَل براءتها في عشرِ آيات تُتلَى على مر الزمان، إلى يوم القيامة فسمَا ذكرُها وعلا شأنُها؛ وشَهِدَ الله لها بأنها من الطيّبات الطاهرات ووعَدَها بمغفرةٍ ورزقٍ كريم، ولم تزل ساهِرةً على نبيِّنا صلى الله عليه وسلم، تمرِّضُه وتقوم بخدمتِه، حتى توفِّيَ في بيتها، ورأسه بين صدرها ونحرِها.

ماتت أمنا عائشة سنة سبع وخمسين من الهجرة وكانت في السادسة والستين من عمرها ودفنت في البقيع قرب صاحباتها زوجات الرسول الكريم الأخريات رضي الله عنها وعنهم وأرضاهم جميعاً.

ومن أمهاتنا الطاهرات الكريمات: سَليمَةُ القلب، سَودةُ بنتُ زَمْعَة رضي الله عنها، أوّلُ من تزوّجَ بها النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد خديجَة، وحين تزوجها النبي كانت تبلُغ من العمر أكثر من خمسين عاماً وهي صاحبة بشرة شديدة السواد، فهي امرأة غير مطلوبة للزواج، وهذه الزيجة تُدحض أقوال المُغرضين وأكاذيبهم في تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي زُوِج بأمر من الله تعالى وليس حُباً في الزواج من النساء.. وكانت سودة جليلةً نبيلَة نقيةَ السّريرةِ، وَهَبت يومَها لعائشةَ رضي الله عنها، تبتَغِي رِضَا الله برِعايةً قلب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

ومن أمهاتنا الطهرات الكريمات: الصّوّامة القوّامَةُ حفصةُ بنت عمَرَ بن الخطاب رضي الله عنهما، نشَأت في بيتِ نُصرةِ الدين، سَبعةٌ مِن أهلها شهدوا بدراً، تقول عنها عائشة رضي الله عنها هِي التي كانت تُسامِيني (يعني تنافسني) من أزواجِ النبيّ صلى الله عليه وسلم.

ومن أمهاتنا الكريمات: التقية العابدة المُنفقةُ المسارعة في الخيرات، زينبُ بنت خُزيمة الهلاليّة رضي الله عنها، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنها لم تلبث إلا قليلاً معه فماتت بعد الزواج بشهرين أو ثلاثة.

ومن أمهاتنا الطاهرات الكريمات: المهاجرة المحتسِبَة، أمّ حبيبة، رملةُ بنت أبي سفيانَ رضي الله عنها ليس في أزواجِهِ مَن هي أقربُ نسباً إليه منها، عقَدَ عليها وهي في الحبَشَة فارّةٌ بدينها وأصدَقَها عنه صاحِبُ الحبَشَة وجهَّزها إليه.

ومن أمهاتنا الطاهرات الكريمات: الصّابِرة الحيِيَّة أمّ سلمة رضي الله عنها هندُ بنت أبي أميّة، مِنَ المهاجرات الأوَل، ولمّا أرادتِ الهجرةَ إلى المدينة مع زوجِها أبي سلمة فرَّقَ قومُها بينها وبين زوجِها وطِفلِها، قالت: فكُنتُ أخرج كلَّ غداة وأجلس بالأبطَح، فما أزال أبكي حتى أُمسِي، سنةً كاملة أو قريباً منها، حتى أشفَقوا عليَّ فأعادوا إليَّ طفلي.. مات زوجها أبو سلمة رضي الله عنه فأخلف الله لها من هو خير منه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن أمهاتنا الطاهرات الكريمات: أمّ المساكين زَينبُ بنتُ جَحشٍ رضي الله عنها الشريفة النسيبة، بنتُ عمّةِ رسول الله، زوَّجَها الله نبيَّه بنصِّ كتابِه، بلا وليٍّ ولا شاهد، قال عز وجل: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا)، كانت سخِيَّةَ العطاءِ للفقراءِ، كثيرةَ البرّ والصدقة، ومع شريف مكانتِها وعلوِّ شأنها كانت تعمَل بيدها، تدبَغ وتَخرِز، وتتصدَّق من كسبِها، قالت عائشة رضي الله عنها: ما رأيتُ امرأة خيراً في الدّين من زينب؛ أتقَى لله، وأصدَقَ حديثاً، وأوصَلَ للرّحم، وأعظمَ صدقة.

ومن أمهاتنا الطاهرات الكريمات: العابدة الذاكرة، جويريّةُ بنتُ الحارث رضي الله عنها، أبوها سيِّدٌ مطاع في قومه، وكانت في سبي بني المصطلق، فأعتقها صلى الله عليه وسلم وجعل عتقها صَداقها، ومَنَّ على قومها.. كانت كثيرةُ التعبُّد لربِّها، قانتةٌ لمولاها، تجلِس في مصلاَّهَا تذكرُ الله إلى نصفِ النّهار.

ومن أمهاتنا الطاهرات الكريمات: الوجيهةُ صفيّةُ بنتُ حيَيٍّ رضي الله عنها، مِن ذرّيّة هارونَ عليه السلام، كانت شريفةً عاقلة، ذاتَ مكانةٍ ودين وعبادة وحِلم ووقار، صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: إنك لابنةُ نبيّ (أي: هارون)، وإنَّ عمَّك لنبيّ (أي: موسى)، وإنّك لتحتَ نبيّ (أي: هو صلى الله عليه وسلم) .

ومن أمهاتنا الطاهرات الكريمات: واصِلة الرّحِم، ميمونةُ بنت الحارث الهلاليّةُ رضي الله عنها، من عظماءِ النساء، منحَها الله صفاءَ القلب، ونقاء السريرة وملازمةَ العبادةِ، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها عن ميمونة: أما إنَّها كانت من أتقانَا لله وأوصلِنا للرحم .

اللهم ارضَ عن جميع زوجات نبيك الطاهرات المطهرات أمهاتنا أمهات المؤمنين، وارض عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين ونشهد أن لا إله إلا الله ولي المتقين، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله النبي الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها المسلمون والمسلمات: هؤلاء الزوجات الكريمات الشريفات رضي الله عنهن وأرضاهن، هن أمهاتنا الطاهرات المطهرات، زوجاتُ نبيِّنا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، عِشن معه في بَيتٍ متواضِع، في حُجُراتٍ بنِيت من اللّبِن وسَعَف النخل، ولكنها ملئت بالإيمان والتقَوى، وكان لهنّ صلى الله عليه وسلم زوجاً رحيماً، برًّاً حليماً، جميلَ العِشرة، كريم السيرة. صبَرن معه صلى الله عليه وسلم على الفقرِ والجوع، وكان يأتي عليهنّ الشهر والشهران وما يوقد في بيوتهنّ نار، وتأتي أيّامٌ وليس في بيوتهنّ سِوى تمرةٍ واحدة، بل ربما لم يجدن سِوى الماء بلا طَعام، قناعةٌ في العيش، وصَبرٌ على موعودِ الله، (وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأُولَى)، وقد أخبر الله تعالى أن أجورَهنّ عنده مُضاعفةٌ (وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً)

أيها الأخوة والأخوات: أما ما يخص تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وما يثار حولها من مطاعن وشبهات، فإن التعدد كان معروفًاً قديماً في الأمم والرسالات السابقة كما كان معروفًاً في رسالة الإسلام، كما أنه يعتبر  في حق نبينا صلى الله عليه وسلم خصوصية له، ولم يكن زواجه بهذا العدد للتمتع وإشباع الشهوة، فقد أذن الله لنبيه بالتعدد في سن الثالثة والخمسين، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتزوج الأرامل والمطلقات وأمهات الأولاد، وقد عرض عليه خيرة بنات قريش إلا أنه رفض، بل كانت زيجات النبي لسبب أسمى ويمكن إدراجه تحت أسباب اجتماعية وسياسية وتشريعية، فزواجه صلى الله عليه وسلم من خديجة رضي الله عنها كان اجتماعياً، وكان النبي في سن الخامسة والعشرين، وبقي معها وحدها حتى توفيت، ثم تزوج بعدها بالسيدة سودة بنت زمعة وكانت أرملة وكانت بناته الأربعة بحاجة الى أم بديلة ترعاهن وتبصرهن، ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب بعد وفاة زوجها إكراماً لأبيها، ثم تزوج زينب بنت خزيمة بعد أن استشهد زوجها، وكانت أرملةٌ ناهزَت الستّين من عُمرِها، ثم تزوج هند بنت أمية بعد أن توفي زوجها ولها أولاد.. وتزوّج أم سلَمَة وهي أرمَلَة ولها ستّة أولاد، وتزوج صلى الله عليه وسلم من عائشة بعد أن رآها في المنام ورؤيا الأنبياء وحي من الله، ثم تزوج زينب بنت جحش وهي زوجة زيد بن حارثة والذي كان يدعى زيد بن محمد بالتبني فنزل قول الله تعالى: (وَما جَعَلَ أدْعِياءَكُمْ أبْناءكُمْ) وقال تعالى: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ) وبعد خلاف زينب مع زوجها طلقت منه وأمر النبي بأن يتزوجها لإقامة دليل على بطلان التبني. كما كان لبعض زيجات النبي صلى الله عليه وسلم أثر سياسي فيه ائتلاف القلوب والحد من العداوة وإطلاق الأسرى، فقد تزوج النبي جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق من خزاعة التي وقعت في الأسر، وتزوج أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان وكان لزواج النبي بها أثر كبير في كسر حدة أبي سفيان في العداء للإسلام وذلك قبل إسلامه، وتزوج صفية بنت حيي وكانت من سبي خيبر أعتقها النبي صلى الله عليه وسلم وتزوجها. وكان الهدف من زواجها إعزازها وإكرامها ورفع مكانتها، إلى جانب تعويضها خيراً ممن فقدت من أهلها وقومها، ويضاف إلى ذلك إيجاد رابطة المصاهرة بينه وبين اليهود لعله يخفّف عداءهم ويمهد لقبولهم دعوة الإسلام التي جاء بها… عباد الله: أمّهات المؤمنين، مَناقب مشرِقة، ومحاسن مضيئة، حقيقٌ بنساءِ المسلمين اليوم أن يجعلنَهّا نِبراساً للحياة، ويرتَشِفن من مَعِينِها أطيب الخلق وأزكاه، بطاعة الله ورسوله، والمسارعة في الخيرات، والبعدِ عن الشبهات والشهوات، وملازمةِ السّترِ والعفاف والحجاب، والحذَرِ من التبرّج والتكشف والتهتك، أو الخضوع بالقول مع الرجال، فمن طلَب السعادةَ فليجعَل خيرَ البشَر قدوةً له، ولتلحَقِ المسلمة المؤمنة بركابِ زوجاتِه الصالحات، فلا فلاحَ والله للمرأة إلا بالاقتفاءِ بمآثرهنّ في السترِ والصلاح والتقوى والإحسان إلى الزّوج والولد..

رضي الله عن أمهاتنا، أمهات المؤمنين، القانتات العابدات الزاهدات في الدنيا، المنفقات في سبل الخير، وجزاهن الله خير الجزاء لما قدمنه لهذه الأمة إنه سميع الدعاء.

اللهم اجمعنا مع نبينا وأمهاتنا في الجنة.

اللهم أصلح أزواجنا وبناتنا وبيوتنا وجنبها أسباب الشقاق والفراق والطلاق، واجعلها عامرة بذكرك وطاعتك، وظللها بالإيمان والرحمة والمودة والسكينة إنك سميع الدعاء.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا، اللهم وفِّق ولاة أمورنا وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا سميع الدعاء..

اللهم كن لإخواننا المستضعفين المظلومين في كل مكان ناصراً ومؤيداً ومعيناً.

اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى وأهله وفك أسره، وأحي في قلوب المسلمين والمؤمنين حبه ونصرته واجعله شامخاً عزيزاً إلى يوم الدين

 اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا وعاف مبتلانا، واشف مرضانا واشف مرضانا وارحم موتانا وارحم موتانا ووالدينا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ. (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

      خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين